ما اليورانيوم المستنفد أو المنضب؟ وما تأثيره؟ وما مكوناته واستخداماته؟ وما مدى الخطر الذي يسببه كوسيلة للدمار الشامل؟
للإجابة على هذه التساؤلات لا بد من الإلمام بفكرة عامة عن الإشعاع النووي عموما وعنصر اليورانيوم بصفة خاصة.
الإشعاع الطبيعي للعناصر الثقيلة في الكون:
اكتشف هنري بيكرل عام 1896 أن عنصر اليورانيوم يصدر إشعاعات شديدة النفاذ، وقد وجد العالمان بيير وماري كوري، أشهر المشتغلين على الإشعاع الطبيعي للعناصر، أن الإشعاع هو ناتج لتفكك ذرة عنصر اليورانيوم تلقائيا معطية ذرات عناصر أخرى. ومن المعلوم أن العناصر كلما ثقلت وازداد عددها الذري والكتلي، قل ثباتها.
كما أن العناصر التي يزيد عددها الذري على الـ (85) -وخصوصا في ما فوق الـ(90)- فإنها تعاني من عدم الاستقرار في نواها، وهي في الغالب تقع في عدة نظائر، وإن نظائر العنصر الواحد هي ذراته التي لها نفس العدد من البروتونات (أي عدد ذري واحد)، ولكنها تختلف في عدد النيكليونات (أي تختلف في أعدادها الكتلية)، ولذا فإن نظائر العنصر الواحد لها نفس الخواص الكيميائية ولكنها تختلف في الخواص الفيزيائية، وعلى أساس هذا الاختلاف في الخواص الفيزيائية يتم فصل نظائر العنصر الواحد بعضها عن بعض وبدرجة كبيرة من النقاوة.
ومن هذه النظائر المشعة طبيعيا نظير عنصر اليورانيوم المسمى يورانيوم (238) وهذا الرقم هو عدد كتلة هذا النظير، ونظير عنصر اليورانيوم أيضا المسمى يورانيوم (235)، والذي يسمى أيضا اليورانيوم المخصب، حيث إنه مصنع من تخصيب نظائره بالقذائف النووية لاستعماله في الطاقة النووية.
قصف دبابة بسلاح اليورانيوم المستنفد
إن الإشعاع الطبيعي هو التفكك التلقائي لنظير عنصر ثقيل مشع في نواته، فالتفكك هذا يرافقه دوما إصدار طاقة بشكل إشعاع نافذ. وتنطلق من نوى الذرات المشعة -عند التفكك التلقائي لنظير عنصر ثقيل مشع- دقائق عالية السرعة، وهي دقائق ألفا، ودقائق بيتا، وأشعة غاما.
إذن فسلسلة الإشعاع الطبيعي هي مجموعة من العناصر تتكون بدءا من عنصر مشع وحيد، وذلك بإصداره لدقائق ألفا أو بيتا مع أشعة غاما. ومع أن كل عنصر يؤدي إلى تكوين ذرة عنصر آخر، فإن السلسلة تبدأ بالنضوب الإشعاعي (Disintegration) للعنصر الأول، متابعة لهذا النضوب من عنصر إلى آخر منتهية بتكوين عنصر غير مشع.
يعتبر اليورانيوم من أهم العناصر المشعة طبيعيا، وهو مما له مصادر طبيعية في القشرة الأرضية، ويقع في خمسة نظائر طبيعية هي الأولى في سلاسل الإشعاع الطبيعي والتي تنتهي بالرصاص عند استقرارها بنفاذ الإشعاع منها. وأهم نظائر اليورانيوم كما سبق الإشارة إلى ذلك هو النظير (238) والنظير الثاني والمهم جدا هو النظير (235). ويستخدم الأول في البحوث والدراسات والتشخيص وفي العلاج الكيمياوي وأهم استعمالاته في تحسين الزراعة والمتابعة التجريبية. أما الثاني (235) فيستخدم في المفاعلات النووية لاستغلال طاقته سلميا، وتصنيع القنبلة الذرية والهيدروجينية (الاندماجية والانشطارية).
أما الاستنزاف والتنضيب لليورانيوم المخصب (235) فيحصل عن طريق استخدامه كوقود نووي في المفاعلات النووية، حيث محطات الطاقة، أو في تشغيل بعض الغواصات العملاقة وحاملات الطائرات.. الخ. إذ تتم السيطرة على إشعاعه بعد تخصيبه بواسطة أجهزة المعجلات (Accelerators) من أجل الحصول على الحد المناسب من الطاقة النووية وفق نظام المفاعل النووي المعمول به. فإذا نضب ذلك الوقود واستنزف إشعاعه إلى الحد المجدي وجب أن يتخلصوا منه كنفاية، ولكن ليس كبقية النفايات.
إن فترة نصف عمر العنصر المشع تعني من الناحية النظرية أنه لا ينتهي من الوجود على الإطلاق، وإن كان يستنزف في الاستعمال، بل ينضب كوقود ذي جدوى، ليصبح نفاية يصعب التخلص منها. واليورانيوم في واقع شكله كوقود يكون بشكل قضبان أو كرات من الجرافيت الحاوية له، وعند استنزافها يصير التخلص منها مكلفا، بل ويلقى معارضة قوية من أنصار البيئة في إيجاد مقبرة له. وتحول استخدامه إلى قذائف حربية، حيث هو قاتل سري يقضي على البشر والحياة فقط دون أن يترك دمارا ملحوظا في العمارات والمنشآت والآليات.
ماهية واستخدامات اليورانيوم المستنفد
هو نفاية الأسلحة الذرية والبرامج النووية المدنية السلمية. وهو المادة المتبقية بعد عملية التخصيب التي ترفع كثافة اليورانيوم (235) من 0.7% في اليورانيوم الطبيعي إلى 3.4% في اليورانيوم المخصب. ومن كل 8 أطنان يورانيوم يتم إنتاج طن واحد يورانيوم مخصب و7 أطنان يورانيوم مستنفد. واليورانيوم المستنفد معدن ثقيل وسام (كالرصاص) إشعاعيا.
يستخدم اليورانيوم المستنفد في الذخيرة الخارقة للدروع ووسيلة تدريع لبعض دبابات إبرامز وفي الصناعات المدنية وخاصة أجهزة حفظ التوازن في الطائرات والسفن. كما يستخدم اليورانيوم المستنفد في صنع القذائف الدينامية من عياري 105 مللمترات، و120 مللمترا لسلسلتي الدبابات من طرازي (M 1) و(M60)، وفي مقذوفات برادلي من عيار 25 ملليمترا ومقذوفات الطائرات من عيار 30 ملليمترا، إضافة إلى الصواريخ الدينامية ذات القدرة الفائقة على اختراق المدرعات والحصون، والقذائف البالستية ذاتية الدفع.
ومن الناحية العملية يمكن اعتبار اليورانيوم المستنفد مادة تبقى مشعة إلى الأبد. وبسبب هذا فإن الحكومة الأميركية تقدمه مجانا لمصانع الأسلحة لأنه من النفايات النووية التي يسهل التعامل معها ويستخدم في تصنيع تشكيلة كبيرة من الأسلحة لانخفاض درجة ذوبانه، عند 1132 درجة مئوية.
طفل مشوه نتيجة قصف العراق بأسلحة اليورانيوم المستنفد
مخاطره
عند احتراق اليورانيوم المستنفد يتحول لأجزاء دقيقة سامة ومشعة من أكسيد اليورانيوم، حيث تتطاير كغبار مع الهواء لأميال عديدة في كل مكان. كما أن الكثافة الكبيرة، 1.7 مرات أثقل من الرصاص، والقابلية الكبيرة للاحتراق الذاتي الخاص باليورانيوم المستنفد جعلته مغريا للاستخدام في صنع الذخيرة الخارقة للدروع ذات الطاقة الذاتية الكامنة، وهي لا تنفجر وتحترق بذاتها ولكنها تعتمد في ذلك على كثافتها العالية وسرعة اختراقها للهدف، حيث إنها تشتعل بشدة وتصهر حرارتها معدن الفولاذ وتستمر مخترقة الدبابة أو المصفحة وتحرق جميع من بداخلها فورا.
أما الحرارة الشديدة الناجمة فتقوم بتحويل اليورانيوم المستنفد لغبار مكون من جزيئات دقيقة سامة لأكسيد هذا المعدن الثقيل، وهذه الجزيئات ذات نشاط إشعاعي وقد دلت الأبحاث الخاصة بالجيش الأميركي أنه عندما تصدم هذه القذائف أهدافها فإن 10-70% منها يتأكسد، وأن معظم الأكسيد المنتج غير قابل للذوبان مما يعني أن استنشاقه يجعله عالقا بالرئتين لمدة طويلة وبالتالي فإن هذا يحمل مخاطر الإصابة بالسرطان بسبب الإشعاع. كما أن دخول الغبار إلى الجسم عن طريق الفم يحمل أيضا مخاطر كل من التسمم والإشعاع.
أعراض الإصابة بالإشعاع
أما عن أعراض الإصابة بهذا الإشعاع فإنها غير محددة، فهناك أعراض تتعلق بالأعضاء مثل تغييرات في الجهاز التنفسي، من سعال وضيق في التنفس، وهناك أمراض في الكلى وفي الجهاز البولي، كما أن هناك أمراضا تصيب الكبد والعظام وجهاز المناعة أيضا.
ومع التأكيدات العلمية والعملية لما يسببه اليورانيوم المستنفد من أضرار إلا أن المسؤولين الرسميين عن هذه الجرائم ينفون إمكانية حدوثها مما يسبب استمرار وتواصل حدوث المشاكل الصحية بين المدنيين والعسكريين وكذلك الأضرار البيئية بسبب تناثر اليورانيوم المستنفد فيها.
______________
* قسم البحوث والدراسات -الجزيرة نت
المصادر:
www.araburanium.comwww.annabaa.org/nba58/uranium.htmhttp://www.alshaab.com/GIF/19-07-2002/a%20%2026.htm